دانيال غروس -
أين البنك المركزي الأوروبي؟ يبدو أن الاهتمام بالأسواق المالية انصب على الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، الذي خفض سعر الفائدة حتى الآن بمقدار 300 نقطة أساسي، ويُتوقع على نطاق واسع أن يجري المزيد من التخفيض قريباً. وعلى النقيض من ذلك، لم يحرك البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة على الإطلاق منذ اندلاع الأزمة في آب (أغسطس) من العام الماضي. والتكهنات حول ما إذا كان سيجري أي تخفيض في أي وقت قريب توقفت فعلياً.
علاوة على ذلك، أعلن الاحتياطي الفيدرالي عن سلسلة من الابتكارات في الطريقة التي ينفذ بها السياسة النقدية. ومرة أخرى، كان البنك المركزي الأوروبي أقل نشاطاً بكثير، إذ أجرى تعديلاً هامشياً فقط على ترسانته من أدوات السياسة النقدية خلال الأشهر القليلة الماضية.
فلماذا هذا الفرق عبر الأطلسي؟ هل البنك المركزي الأوروبي محق في النأي بنفسه عن نشاط الاحتياطي الفيدرالي؟ في العادة كان هناك افتراض مفاده أن البنك المركزي الأوروبي لم يكن فعالاً إلى حد كبير، لأنه يضع وزناً أكبر لمكافحة التضخم. ومع ذلك، الفرق الرئيسي قد يكون فرقا آخر، وهو أن الاحتياطي الفيدرالي يواجه مشكلة مختلفة عن تلك التي يواجهها البنك المركزي الأوروبي.
وللوهلة الأولى، يمكن للمرء أن يفترض أن الاحتياطي الفيدرالي والبنك المركزي الأوروبي، كانا يواجهان المشكلة ذاتها، بما أن أسعار المساكن ارتفعت بدرجة تتجاوز مستويات التوازن على جانبي الأطلسي.
لكن طفرة الإسكان في الولايات المتحدة صاحبتها طفرة في إقراض الرهن العقاري، مع نسبة متزايدة في شريحة الرهن العقاري لضعيفي الملاءة. وفي أوروبا شهد إقراض الرهن العقاري نمواً بدرجة أكثر اعتدالاً، دون الكثير من الرهن العقاري لضعيفي الملاءة.
بيد أن هناك فرقاً آخر أكثر أهمية، نادراً ما يذكر، وهو أن معظم القروض العقارية، في الولايات المتحدة تمنح "دون حقوق قانونية للحصول على تعويض، أو المقاضاة"، الأمر الذي يعني أن المقرض (البنك) لا يمتلك حقاً قانونياً للحصول على تعويض أو مقاضاة مالك المنزل. وإذا كانت قيمة المنزل أقل من الرهن المقدر عليه، يمكن للمقترض الابتعاد، وإرسال المفاتيح للبنك بكل بساطة. ويطلق على هذا "البريد المجلجل" jingle mail، وأصبح هذا الأمر أكثر شيوعاً في جميع أنحاء الولايات المتحدة، مع انخفاض أسعار المنازل في كل مكان تقريباً.
إن انعدام حق المقرض القانوني في الحصول على تعويض أو مقاضاة المقترض يعني أن انخفاضاً في أسعار المنازل يؤدي إلى مشكلات حادة للنظام المصرفي، لأن الرهون العقارية لا تزال تشكل ما يقارب نصف عمليات الإقراض التي تجريها البنوك الأمريكية. وحسب بعض التقديرات، ربما يخسر النظام المصرفي الأمريكي كل رأسماله في حال انخفضت أسعار المنازل بنسبة تراوح بين 20 و25 في المائة، وهي نسبة انخفاض لا بد منها إذا أراد النظام العودة إلى التقييمات المتوسطة ما قبل الفقاعة.
أما في أوروبا، فلا يمكن للمقترضين التنصل من الرهن العقاري، ويظلون مسؤولين عن أي فرق بين قيمة العقار ومبلغ القرض. وفي أوروبا يمكن لانخفاض في أسعار المنازل أن يؤدي إلى جعل المستهلكين أفقر، وأقل استعداداً للإنفاق، لكنه لا يهدد استقرار النظام المصرفي.
هناك فرق آخر عبر الأطلسي غالباً ما يتم تجاهله، يكمن في اختلاف أكثر دقة يتعلق بتخويل المصرفين المركزيين. والفرق الرئيسي لا يتعلق كثيرا بالتشديد على التضخم، لكنه يتعلق بالنظام المالي، إذ يعلن الموقع الإلكتروني للاحتياطي الفيدرالي بكل فخر أنه "يزود الأمة بنظام نقدي ومالي آمن، ومرن، ومستقر". وهذا مختلف تماماً عن منطقة اليورو، حيث استقرار النظام المالي لا يرد حتى ذكره بين الأهداف الثانوية للبنك المركزي الأوروبي.
وعلى ضوء هذين الاختلافين، ليس لغزاً السبب وراء عدم وجود خيارات كثيرة أمام الاحتياطي الفيدرالي سوى تخفيض أسعار الفائدة، آملاً أن يعمل هذا الإجراء على مساعدة النظام المصرفي، في حين لم يتحرك البنك المركزي الأوروبي بوصة واحدة. لكن بما أن تخفيض أسعار الفائدة ليس بمقدوره أن يحقق الاستقرار لأسعار المنازل على المدى القصير، فمن الواضح أيضاً للاحتياطي الفيدرالي أنه لا يمكن حتى لتخفيض 300 نقطة أساس وقف انتشار الأزمة.
وهنا يأتي الفرق الثاني، إذ اضطر الاحتياطي الفيدرالي بسرعة إلى تجديد الأدوات التي يمكنه من خلالها تزويد القطاع المصرفي بالسيولة. وحتى الأسبوع الماضي، كان يقبل الأوراق الحكومية فقط ضمانا للقرض. وهو الآن يقبل مجموعة متنوعة من أصول القطاع الخاص، حتى السندات المدعومة بالرهن العقاري التي تتجنبها السوق. وعلى النقيض من ذلك، كان البنك المركزي الأوروبي يقبل ضمانات القطاع الخاص لسنوات عديدة. ولم تكن هناك حاجة ماسة إلى تغيير الأدوات رداً على الصعوبات التي تواجهها سوق المال.
وهكذا، لا يمكن الحكم على السياسة النقدية بمعزل عن حالة النظام المالي. ويواجه البنك المركزي الأوروبي في الوقت الحالي مشكلة مختلفة، وهو بالتالي محق في التركيز على مكافحة التضخم، والاحتياطي الفيدرالي الذي يحركه تدهور في ظروف السوق المالية لن يمكنه في نهاية المطاف السيطرة لوحده.
ومع انتشار "البريد المجلجل" سيتعين على حكومة الولايات المتحدة أن تتدخل لإنقاذ النظام المصرفي الأمريكي.
المصدر:
http://el-zgoum.ahlablog.com