ارتفاع معدل البطالة يؤكد حتمية الركود الاقتصادي .. قراءة في شهادة بيرنانكي

السؤال لم يعد ما إذا كان الاقتصاد العالمي قد دخل مرحلة الركود الاقتصادي أم لا، ولكن السؤال هو إلى أي مدى يمكن أن يستمر هذا الركود، وما مدى التأثير الذي سيتركه على الاقتصاد؟ هل سيؤدي هذا الركود إلى أزمات كبرى كتلك التي شهدها بيرن ستيرنن؟ حتمية الركود الاقتصادي تأكدت بعد أن أظهرت بيانات التوظف الأمريكي خسارة الاقتصاد أكثر من 80 ألف وظيفة خلال آذار (مارس) الماضي، ما أدى إلى زيادة معدل البطالة إلى 5.1 في المائة مرتفعاً من مستواه السابق البالغ 4.8 في المائة. وبذلك يناهز عدد الوظائف التي خسرها الاقتصاد الأمريكي خلال فترة الأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي ربع مليون وظيفة، مما يؤكد فرضية الركود التي لم يعد هناك شك حيالها. إضافة إلى ذلك بلغت الزيادة في الأجور معدلات متواضعة، إذ بلغ معدل أجر الساعة 17.86 دولار مرتفعاً فقط بمعدل 3.6 في المائة خلال الـ 12 شهراً الماضية. وهذه الزيادة الطفيفة في معدلات الأجور لا تتناسب مع الارتفاع في تكاليف الغذاء والطاقة، الأمر الذي سيؤدي إلى تراجع كبير في مستويات الإنفاق الاستهلاكي. حيث ارتفعت أسعار البنزين إلى رقم قياسي تجاوز 3.30 دولار للجالون، ما يعني ارتفاع سعر الجالون بمعدل 60 في المائة خلال عام. ونظراً للاستمرار في ارتفاع أسعار النفط العالمية، فتتوقع وزارة الطاقة الأمريكية استمرار أسعار البنزين في الارتفاع لتبلغ 3.50 دولار للجالون خلال الأشهر الثلاثة المقبلة.
هذا الأمر يدعم بشكل كبير الرؤية المتشائمة بشأن وضع الاقتصاد الأمريكي خلال هذا العام، ويضع علامات استفهام كثيرة عما إذا كان الاقتصاد سيستطيع الخروج بشكل سريع من دائرة الركود تلك خلال النصف الثاني من العام الحالي وكما يراه رئيس "الاحتياطي الفيدرالي" بيرنانكي. ففي أكثر شهادات بيرنانكي تشاؤماً، أشار يوم الأربعاء الماضي أمام لجنة في الكونجرس إلى (الركود محتمل)، لكن على الرغم من ذلك فهو لا يستطيع أن يؤكد بشكل جازم أن الاقتصاد في وضع (الركود). هذه الشهادة وتلك التصريحات سبقت بيانات وزارة العمل الأمريكية المتعلقة بمستويات التوظف، مما يجعلنا نجزم أن بيرنانكي حالياً متأكد أكثر من أي وقت مضى أن الاقتصاد في وضع (ركود). وكان بيرناكي الذي يأتي عادة لمثل تلك الاجتماعات مدعماً ببيانات عن الوضع الاقتصادي ليبرر السياسات التي اتبعها "الاحتياطي الفيدرالي"، قد أشار في تلك الشهادة إلى أنه (يتوقع مزيداً من الارتفاع في معدلات البطالة) مضيفاً (إنه من الواضح الآن أن الناتج المحلي الإجمالي لن ينمو بشكل كبير) وكأنه يلمح إلى احتمالات تحقيق معدلات سالبة للنمو الاقتصادي. لكن على الرغم من كل ذلك فهو يؤكد أن الاقتصاد سيبدأ في النمو بشكل تدريجي ابتداء من النصف الثاني من العام الحالي، اعتمادا على الإجراءات التي بدأ "الاحتياطي الفيدرالي" باتخاذها منذ منتصف العام الماضي حين بدأ بتخفيض سعر الفائدة، وفي الوقت نفسه استخدم سياسة الحفز المالي المتمثلة في تخفيضات للضرائب بلغت قيمتها 150 مليار دولار. وينتظر من الدائرة الوطنية للأبحاث الاقتصادية، وهي دائرة مستقلة، أن تؤكد وقوع الاقتصاد في دائرة الركود الاقتصادي، التي عادة تبنى على أساس نمو ربع سنوي سلبي لمرتين متتاليتين.
إضافة إلى ذلك كله، دافع بيرنانكي عن السياسة التي اتخذها "الاحتياطي الفيدرالي" للبنك الاستثماري المتعثر بيرن ستيرنز، حيث رفض أن يسمى ذلك الإجراء بعملية إنقاذ للبنك، مؤكداً في الوقت نفسه أنه لا يرغب في القيام بذلك مرة أخرى. والسبب في رفضه إطلاق ذلك على سياسة "الاحتياطي الفيدرالي" بشأن بيرن ستيرنز ظهور جدل كبير في الأوساط السياسية حول مدى قانونية الإجراء التي اتخذها "الاحتياطي" باستخدام أموال دافعي الضرائب في إنقاذ بنك خاص، في حين لم يتحرك "الاحتياطي" لإنقاذ مالكي المنازل المتعثرين عن السداد. إضافة إلى ذلك أكد بيرنانكي أن "الاحتياطي" لا يرغب في القيام بذلك مرة أخرى تجنباً للوقع في شرك ما يسمى في أدبيات الاقتصاد بالخطر الأخلاقي Moral Hazard الذي يبرز حال تقديم ضمانة ضد الأخطار المستقبلية. إذ سيؤدي ذلك إلى تشجيع البنوك الاستثمارية على المخاطرة بشكل أكبر بأموال مودعيهم ما داموا يعرفون مسبقاً بتدخل "الاحتياطي الفيدرالي" في حالة حدوث الأسوأ.
دلائل وبيانات أخرى أكدت حتمية الركود، منها تراجع معدل الإنفاق على مشاريع البناء بمعدل 0.3 في المائة، وذلك على الرغم من زيادته على مستواه الشهر السابق. كما تراجع معدل طلبات المصانع بمعدل أعلى من توقعات المحللين وللشهر الثاني على التوالي ليبلغ انخفاضا قدره 1.3 في المائة. في الأسبوع المقبل يتوقع أن يظهر تقرير اجتماع لجنة سياسات السوق المفتوحة الأخير بشكل جلي رؤية أعضاء اللجنة لوضع الاقتصاد المستقبلي. كما ستنشر الأسبوع المقبل بيانات تتعلق بالمنازل المعلقة للبيع وبيانات التجارة التي تتوقع انخفاضا في مستوى العجز في الميزان التجاري الأمريكي.

السلام عليكم ورحمة الله تعالى بؤكاته اح كمال مشرف قسم الاقتصاد .
اشكرك اخي كمال على هذه المواضيع الرائعة واتمنى ان تواصل في تميزك معنا .