لماذا لا نستفيد من الهند ؟

صعود الهند إلى مرتبة متقدمة من التقدم الاقتصادي يعبر عن أن هناك خطوات وبرامج وسياسات طبقت منذ فترة طويلةن وبدأت تؤتي ثمارها مؤخراً، حيث أضحت الهند الآن عملاقاً اقتصادياً ومن الدول التي تشهد نمواً اقتصادياً، يفوق كثيراً من الدول الأخرى. هذا التقدم الاقتصادي كان وراءه إصرار على تحقيق الأهداف والخطط والبرامج والسياسات، وأهمها الانفتاح العالمي على السوق والمنافسة في تقديم الخدمات والسلع التي ساهمت في تحقيق هذا التقدم لهذا القطر العملاق الذي يتعدى عدد سكانه المليار نسمة. ولكن ما الأساليب والمناهج التي اتخذتها الهند لتحقيق ذلك؟ ولماذا لا نستفيد من تجربتها الاقتصادية الناجحة ؟!

تشير التقارير الاقتصادية إلى أن الهند من أكثر بلدان العالم حركة في النمو، وتشهد تطوراً واضحاً في الاقتصاد عبر السنين، وبعد عام 2003 أقدمت كثير من المؤسسات العالمية على الاستثمار في الهند وهو ما ساعد الاقتصاد الهندي على استعادة عافيته بوساطة ضخ المزيد من السيولة فيه حتى وصلت نسبة النمو في هذا العام 8%، وهي نسبة عالية وإيجابية، وهو ما يعني المزيد من الاستقرار في الاستثمارات الهندية، وزاد عدد المؤسسات العالمية التي تستثمر في الهند مستغلة مقومات الاقتصاد الهندي ورخص القوى العاملة لاستغلال الطاقات الكامنة ودخول الأسواق الأخرى.

لقد استطاع الاقتصاد الهندي الوقوف بكل ثقة في وجه التغيرات الاقتصادية العالمية والمحلية، وأكدت آراء المحللين الاقتصاديين استقرار الاقتصاد الهندي ونموه بنسبة 8% خلال العام الماضي، بالإضافة إلى تحسن تدفقات النقد الأجنبي وازدياد المنافسة الخارجية للمنشآت الاقتصادية الهندية في الأسواق العالمية، علماً أن صافي تدفقات المؤسسات الأجنبية خلال أغسطس 2003 تعدى 400 مليون دولار أمريك، وصافي التدفقات حتى يناير الماضي بلغ 3 بلايين دولار أمريك. هذا بالإضافة إلى أن المنافسة الشديدة في السوق أدت إلى نمو واضح لأكثر من 225 شركة خلال العام الحالي، بينما حققت 2382 شركة نمواً خلال الأشهر الأربعة الماضية. وهذه الأرقام تبين أن هناك نمواً لهذا الاقتصاد ولم يتأثر بالتغيرات الاقتصادية العالمية.

والراصد لهذا النمو الاقتصادي الهندي يجد أنه يتمتع بعدة إيجابيات ساعدته على الصمود أمام التغيرات الاقتصادية وخصوصاً المنافسة الشديدة في الأسواق العالمية، ومن هذه الإيجابيات على سبيل المثال لا الحصر:

· تطور الصناعة وتقدمها وهو ما جعل المنتجات الهندية أكثر منافسة، وتغزو أسواق العالم.

· تنامي الصادرات الخارجية وتزايدها ودعمها.

· تحسن مستوى الاحتياطي النقدي من العملة الأجنبية.

· تحسن مستوى الأداء المالي من خلال ضبط المصروفات. وكثرة عدد البنوك المتنافسة فيما بينها لتقديم أفضل الخدمات للمستثمرين.

· زيادة الاستثمارات الأجنبية وهو ما زاد من فرص العمل والسيولة النقدية.

· التقدم الواضح في مجال التقنية وتشجيع الشباب للاندماج والتعامل مع هذا المجال والاستفادة منه، وخصوصاً المنشآت الصغيرة حيث توجد هيئة متخصصة لرعاية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.

كما تعتبر الزراعة من المجالات المهمة في الهند، حيث تسهم بحوالي 25% من الناتج المحلي للبلاد، فينتج القطاع الزراعي أكثر من 51 محصولاً رئيساً إلى جانب توفير المواد الخام للصناعات الهندية القائمة على الزراعة، بالإضافة إلى أن سُبع أرباح إجمالي الصادرات في البلاد يعود إلى القطاع الزراعي. وقد قامت الحكومة باتخاذ خطوات ووضع استراتيجية تختلف باختلاف الأقاليم، مبنية على تخطيط إقليمي وفق الهندسة الزراعية لتحقيق التوازن بين الأقاليم في إنتاج المحاصيل للإسراع في النمو لضمان السلامة، وتنظيم العملية الزراعية. وقامت الحكومة أيضاً بتقوية البنية الأساسية الريفية ومساندة التطور الزراعي ودعم القيمة المضافة والإسراع في الأعمال الزراعية.

لقد قامت الجهات المعنية بتسهيل الإجراءات أمام المنتجات الزراعية وفق اتفاقية منظمة التجارة العالمية حول الزراعة، حيث تم وضع استراتيجيات وترتيبات لحماية المزارع من أي آثار عكسية ناتجة من تقلبات الأسعار في الأسواق العالمية، ولكي تدعم الحكومة الهندية الصادرات الزراعية حددت 41 منطقة تصديرية تنتشر في 17 ولاية، وتتطلب استثماراً قدره 11470 مليون روبية. ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل إن تحرير التجارة في المنتجات الزراعية على مستوى العالم قد وفر فرصاً لانفتاح قطاع الزراعة على منافذ عديدة في الأسواق العالمية، ولم تكتف الجهات المعنية بتلك التغييرات بل أقامت المعارض التي تقدم أحدث ما وصلت إليه التقنية في المجال الزراعي وغيره من المجالات.

لقد أصبحت الهند منافساً لكثير من الدول الصناعية الغربية، ولها وزنها في الأسواق العالمية، خصوصاً في المجال التقني وصناعة البرمجة والحاسبات الآلية، وأصبحت الآن في طور إظهار كمبيوتر جديد للرجل العادي يعرف باسم Simputer، والذي قام به فريق من الباحثين في معهد العلوم الهندية، ويتميز هذا الجهاد بعدة مميزات، حيث إنه رخيص الثمن وذو فائدة عظمى في توصيل الوسائل التقنية للرجل العادي، حتى إن أبسط إنسان يستطيع أن يقدر على التفاعل مع هذا الكمبيوتر واستخدامه بسهولة، ويخطط لأن يكون سعره 200 دولار أمريكي، وهو ما سيوسع من الدائرة التسويقية لـه. كما أن هناك برامج إعلامية وتوعية تربوية تطالب الفرد الهندي بعدم الإكثار من الاستهلاك وعدم الاعتماد على الصناعات الأجنبية... هذا النوع من التربية ساعد على تحقيق عدة مكاسب اقتصادية.

وعلى ذلك فإن التجربة الاقتصادية الهندية جديرة بأن نتدارس عوامل قوتها وازدهارها الاقتصادي، وأن نحاول أن نطبق بعض المفاهيم التي طبقتها والتي تتلاءم مع ظروفنا وخصوصيتنا، وتحديث الإجراءات وتسهيلها لتحقيق المرونة الكافية في تطبيق اللوائح والأنظمة، وتسخير وسائل الإعلام لتنمية روح حب العمل، وتشجيع المنتجات الوطنية حتى يستطيع اقتصادنا الوطني – وهو قادر على ذلك إن شاء الله – أن يحتل المكانة التي تتناسب مع إمكاناتنا التي حبانا الله بها والحمد لله، خصوصاً أن لدينا من الإمكاننات البشرية والطبيعية ما يؤهلنا لتحقيق هذا الهدف بإذن الله تعالى.

إن الاستفادة من التجارب الناجحة وخصوصاً من تجربة الهند، والعمل على توطيد العلاقة وتفعيلها بين رجال الأعمال السعوديين ونظرائهم في الهند، أمر مهم وضروري في ظل التسابق العالمي نحو الشراكات الثنائية، خصوصاً مع الأقطار التي تمتلك قوى تقنية قادرة على المنافسة العالمية. وعليه فإن هذه العلاقة إذا كانت قائمة على التفاهم والتفاعل بين الجانبين بحيث يتم استفادة كل جانب من الآخر فسوف تؤتي ثمارها، وهو ما يعود بالنفع على الاقتصاد الوطني في كل من الهند والسعودية.